"الطرد بدل التخرج".. كيف حوّلت سياسات ترامب الطلاب الدوليين إلى ضحايا بالجامعات الأمريكية؟
"الطرد بدل التخرج".. كيف حوّلت سياسات ترامب الطلاب الدوليين إلى ضحايا بالجامعات الأمريكية؟
بين قاعات المحاضرات وجدران المكتبات، ظل سلمان، طالب هندي يدرس الذكاء الاصطناعي في جامعة أمريكية عريقة، يلاحق حلمًا أكاديميًا انتظره سنوات، لم يتخيل أن ينهار هذا الحلم فجأة بعد رسالة إلكترونية واحدة من إدارة الهجرة الأمريكية تُخبره بأن تأشيرته الدراسية أُلغيت، وأن أمامه أيامًا قليلة لمغادرة البلاد، أو مواجهة الترحيل القسري.
هذه ليست قصة فردية، بل مشهداً متكرراً يعكس سياسة ممنهجة تتصاعد تدريجيًا ضد الطلاب الدوليين في الولايات المتحدة، تحت مظلة الأمن القومي ومكافحة "النفوذ الأجنبي"، سياسة لم تكتفِ بتقليص فرص القبول والمنح، بل تطورت إلى طرد فعلي من الحرم الجامعي، وتهديد مباشر لحياة آلاف الشباب الذين اختاروا الولايات المتحدة بوصفها ملاذًا علميًا.
وفرضت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قيودًا مشددة على منح التأشيرات الدراسية، وخصوصًا للطلاب القادمين من دول كالصين، وإيران، ودول عربية.
وبحسب تقارير جامعية، تقلّصت نسبة الطلاب الدوليين بنسبة 18% منذ وصول الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في يناير الماضي، وهو ما انعكس سلبًا على الحياة الأكاديمية، وعلى الجامعات التي تعتمد على هؤلاء الطلاب لتمويلها وبرامجها البحثية.
تسييس الحرم الجامعي
اتهمت وزارة العدل الأمريكية بعض الباحثين والطلبة الأجانب –خصوصًا من الصين– بالضلوع في "أنشطة تجسس"، وهي اتهامات نفتها جهات أكاديمية عديدة، ووصفتها بأنها جزء من حملة سياسية تستهدف تقييد الأبحاث العلمية المشتركة وتحجيم التعاون الدولي.
ووصفت منظمة "هيومن رايتس ووتش" هذه السياسة بأنها "تمييز أكاديمي مقنّن"، حيث تُجبر المؤسسات التعليمية على التعاون مع سلطات الهجرة، وتُقيَّد برامج المنح والتبادل العلمي، فيما يتم التحقيق مع طلاب لمجرد انتمائهم لدول مصنفة "غير صديقة".
ورُحّل آلاف الطلاب دون محاكمات عادلة أو تمثيل قانوني، وآخرون وُضعوا تحت الرقابة أو خُفِّضت فترات تأشيرتهم الدراسية.
وحُرمت الطالبة الإيرانية "فرزانة"، من استكمال الدكتوراه في الكيمياء الحيوية بعدما رُفض تجديد تأشيرتها، رغم أنها قضت أربع سنوات في أبحاث تابعة لمؤسسة صحية أمريكية، تقول: "أمريكا التي أتت بي طالبة علم، أصبحت تراني تهديدًا".
تهديد استقلال البحث العلمي
تشكو مؤسسات أكاديمية مثل هارفارد ومعهد MIT من تضييقات سياسية تهدد استقلال البحث العلمي، خاصة بعد أن تم التحقيق مع باحثين لمجرد تعاونهم مع مؤسسات أجنبية.
بعض الجامعات حاولت مقاومة هذه السياسات قانونيًا، إلا أن الخوف من خفض التمويل أو الملاحقة القانونية أجبرها على التراجع.
وهناك إصرار من الإدارة الأمريكية على التضييق على الطلاب، وسط دعوات منظمات حقوقية لإعادة الاعتبار لحقوق الطلاب الدوليين، فهؤلاء لا يمثلون خطرًا، بل قوة علمية وثقافية كان لها الدور الأكبر في نهضة التعليم الأمريكي على مدى عقود.
يبدو أن الحلم الأمريكي لم يعد يسع الجميع، فبين مطرقة السياسات المتشددة وسندان التمييز غير المعلن، يدفع الطلاب الدوليون ثمنًا باهظًا لحرب لا علاقة لهم بها، حرب تُخاض باسم الأمن، لكنها تُفقد الجامعات الأمريكية روحها الدولية، وتحوّل العلم من جسر للإنسانية إلى حدود مغلقة.